ولأنه لا يمكن الحديث عن التاريخ الإماراتي قديماً دون التطرق إلى صناعة السفن كونها تشكل أحد أبرز الطرق التي اعتمد عليها الآباء والأجداد لكسب عيشهم، كان القسم الذي خصصته لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي لـ”بناء السفن (الصيد والإبحار)”، والذي شهد إقبالاً كبيراً من قبل الجمهور الذي أراد التعرف عن كثب على هذه المهنة خلال تواجده في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية.
ويأتي هذا القسم إيماناً من اللجنة لما تمثله صناعة السفن اليوم جزءاً من جماليات الإبحار وعوالمه، إذ تؤكد هذه الحرفية والصناعة أن امتزاج الماضي بالحاضر، سر الجمال والاستمرارية، فمنذ القديم عرف أبناء الإمارات ركوب البحر للاتصال بالدول المجاورة ومد جسور التجارة والجوار والسياحة، لطلب الرزق وخلق علاقات متبادلة مع كل دول الجوار، ومن هنا كان ارتياد البحر بسفن شراعية كبيرة في البداية، ثم بسفن خشبية ذات صيغة متفردة، كانت ولا تزال نسبياً وسيلة من وسائل تجارة الأجداد التي تطل من عباءة تاريخ وتراث قديمين.
وتسعى اللجنة من خلال هذا القسم إلى الإضاءة على التاريخ مع ما يحمله من عادات وتقاليد وغنى بتراث الآباء والأجداد، بما في ذلك التراث البحري، حيث أشارت الاكتشافات الأثرية إلى أن السكان الأوائل قد استخدموا العديد من المصادر البحرية في المنطقة، واستخدامهم للخطوط البحرية في رحلاتهم ما بين بلاد النهرين والخليج وعُمان والهند، وذلك منذ بداية التاريخ ومروراً بالعصر الإسلامي.
كما يتواجد في هذا القسم شواب يقومون بتعريف الجمهور بكيفية صناعة السفن قديماً، وكيف كانوا حريصين في صناعتها على جعلها ذات بنية متينة، تحتمل صخب الموج ومقاومات وتيارات مياه البحر، كما يؤكد الشواب أن السفن الخشبية القديمة تعد الأشهر والأفضل، من بين تلك الانواع في المنطقة، قديماً وحديثاً، حيث كانت تنقل السلع والبضائع، عبر موانئ الخليج العربي وموانئ الهند وباكستان وإفريقيا، ثم انتقلت، في ما بعد، إلى جميع سواحل الخليج، والى ما هو أبعد منها أيضاً، وهناك نوعان لسفن اليوم، منها ما يبحر إلى البعيد، ويعرف باسم “السفّار”، ونوع آخر يعرف باسم “القطاع” والذي يستخدم في الإبحار لوجهات قريبة من موانئ الخليج العربي.
وقال الشواب أن أسماء هذه السفن قديماً هي “بتيل، السنبوك، الشاشة، البوم، الجالبوت، الشوعي، وغيرها الكثير، كما انها الكثير منها ما زال متعارفاً عليه حتى يومنا هذا، موضحين أن أبناء الإمارات استطاعوا تطوير صناعة السفن وجعلوها ذات أحجام منها الصغير ومنها الكبير وقد اشتهر في صناعة السفن عدد كبير الرجال في جميع مناطق الدولة، وكانت صناعة السفن في الإمارات في البداية متخصصة في صنع السفن المتوسطة الحجم التي تستعمل لصيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ.
ونظراً لأهمية البحر في حياة أهل الإمارات ازدهرت صناعة السفن أو “القلافة” كما تسمى محلياً، والتي تعد من أقدم المهن في الإمارات، كما وتعد صناعة السفن من المهن الشاقة، إذ أن العمل يمتد من الصباح الباكر حتى مغيب الشمس، وتمارس غالباً تحت أشعة الشمس المحرقة، أو تحت مظلة خفيفة لا تكفي لردع حرارة الجو أو رطوبته، لا سيما أن أجواء الخليج تتميز بارتفاع الحرارة في غالبية أشهر السنة.
كما يسعى الشواب من خلال تواجدهم إلى التأكيد على أن ارتباط أبناء الإمارات بالبحر أكسبهم معرفةً بالجغرافيا والفلك والتجارة والصناعة، فكانت صناعة السفن ناتجاً طبيعياً لحياتهم البحرية، فكرّسوا كل طاقاتهم لصناعة سفنهم وتطويرها باستمرار حتى امتازت بمزايا تندر أن توجد في سفن من سواهم.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة أمة بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ليس فقط لأنها تمتلك ساحلاً طويلا وعدداً كبيراً من الجزر في الخليج العربي ، وإنما بما لديها من تقاليد عريقة تفخر بها في الإبحار والملاحة وبناء السفن والغوص وصيد الأسماك والتجارة البحرية.