في أمسية عذبة تكلمت بلغة الشعر والشعراء، ومن الماء إلى الماء وعلى إيقاع موسيقى قلوب الشعر والشعراء انطلقت الحلقة الثالثة والأخيرة من المرحلة الثانية من الموسم السادس من برنامج “أمير الشعراء”، مباشرة من على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، وسط حضور حشد من الصحفيين والشعراء والأدباء والمثقفين المهتمين.
وكانت رحلة أمس الشعرية قد انطلقت مع 5 فرسان هم “خالد بشير / السودان، محمد عبدالمنعم الحناطي/ مصر، مصعب بيروتية/ سوريا، مفرح الشقيقي/ السعودية، نذير الصميدعي/ العراق”.
واستهلت الحلقة الأخيرة من المرحلة الثانية بترحيب مقدم البرنامج الممثل القدير باسم ياخور بأعضاء لجنة التحكيم المؤلفة من د.صلاح فضل من مصر/، د.علي بن تميم من الإمارات/، و د.عبدالملك مرتاض من الجزائر، وبالشعراء المشاركين وجمهور مسرح شاطئ الراحة.
وكانت قد بدأت الحلقة بإعلان نتائج تصويت جمهور الشعر العربي الذي استمر على مدى أسبوع كامل، حيث أضيف لدرجات لجنة التحكيم التي منحتها اللجنة للشعراء في حلقة الأسبوع الماضي، ليتأهل بالتالي الشاعر عصام خليفة / مصر، لينضم إلى قائمة ال6 شعراء في المرحلة الثالثة وما قبل النهائية من البرنامج، فيما خرج الشعراء الثلاثة “عبدالله أبوبكر/ الأدرن، حسن الصميلي/ السعودية، ياسين حزكر/ المغرب” مودعين مسرح شاطئ الراحة بعد حصولهم على نسبة تصويت أقل.
وتبث حلقات المسابقة على الهواء مباشرة من على مسرح شاطئ الراحة عبر قناة “بينونة” الفضائية، كما يتم عرضها على قناة أبوظبي الأولى، والتلفزيون السعودي – القناة الأولى، وقناة المحور الفضائية المصرية، والمسابقة تنظمها وتنتجها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، وتنفذها شركة بيراميديا.
أسبوع القلق وتأهل بيروتية
7 أيام سيعيشها 4 شعراء على أعصابهم مع احتدام المسابقة وشدة التنافس بعد أن تأهل الشاعر السوري مصعب بيروتية للمرحلة الثالثة من أمير الشعراء 6 بانتزاعه بطاقة التأهل من أعضاء لجنة التحكيم الذين أجمعوا على أنّ قصيدته كانت الأجمل والأكثر تكاملاً حيث حصل على أعلى درجات لجنة تحكيم المسابقة وهي 46%، وكان أن أعلن الشاعر بنفسه لحظة فوزه رغم ما كان يعتريه من خوف وقلق وبخاصة أن المقدم المتألق جعله يتوسط المسرح ويردد خلفه ما يقوله، في أكثر اللحظات ترقباً وما كانت إلاّ لحظات حتى أعلن فيه اسمه، فارتاح بعد هذه اللحظات الصعبة، فيما حصل الشاعر السوداني خالد بشير على 40%، الشاعر المصري محمد الحناطي على 43%، والشاعر السعودي مفرح الشقيقي على 44%، والشاعر العراقي نذير الصميدعي على 43%.
وبالتالي يكون الجمهور قد تعرف على هوية ال5 شعراء الذين انتقلوا إلى المرحلة الثالثة وهم “السعودي حيدر العبدالله والسودانية مناهل فتحي والمصري عصام خليفة والسوري مصعب بيروتية، والموريتاني محمد ولد إدوم”.
أبو العلاء المعري
ومع بداية الحلقة وخلال تواجد الشعراء ولأن كل حلقة من المرحلة الثانية تتضمن جزأين كالعادة فالجزء الأول يتضمن كتابة قصيدة حرة الموضوع من اختيار الشعراء، فيما أعلن عن الجزء الثاني الذي يتوجب على الشعراء خلاله مجاراة قصيدة، لأبي العلاء المعري كان قد جارى بها المتنبي وجاء فيها:
توقَّتك سرّاً وزارت جهاراً … وهل تطلعُ الشَّمس إلاَّ نهارا
كأنَّ الغمامَ لها عاشقٌ … يسايرُ هودجها أين سارا
وبالأرض من حبِّها صفرةٌ … فما تنبتُ الأرضُ إلاَّ بهارا
فدتكِ ندامى لنا كالقسيِّ … لا يستقيمونَ إلاَّ ازورارا
أذبتِ الحصى كمداً إذ رميتِ … بالدُّرِّ يوم رميتِ الجمارا
ومن ثم قام المقدم باسم ياخور بتوزيع المغلفات على الشعراء ليأخذوا وقتهم في كتابة المجاراة التي عليها أن لا تتجاوز الأربعة أبيات، مستوفية شروط الوزن والقافية، أما اللجنة فتقسّم الدرجات على جزأي الحلقة، الجزء الأول المرتبط بالنصوص التي اختارها الشعراء، والجزء الثاني المتعلق بالنصوص المرتجلة.
وقد شهدت الحلقة عرض التقارير الخاصة بالشعراء ما قبل صعودهم على المسرح من قلب معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الحالية حيث أجمع الشعراء على أهمية هذا المعرض ودوره في إثراء المكتبة العربية.
فقرة المجاراة
بالأمس كانت فقرة المجارة الأشد تنافسية والأحلى كونها جمعت في حضرتها حامل لقب بيرق الشعر شاعر المليون في الموسم السادس الشاعر الإماراتي سيف المنصوري، وحامل لقب بردة الشعر أمير الشعراء في الموسم الخامس الشاعر المصري دكتور علاء جانب، حيث كانت بينهما مجاراة ألهبت المسرح وتفاعل معها الجمهور، حيث قدم كل منهما قصيدة جارى فيها زميله فقدم دكتور علاء جانب قصيدة بعنوان “ما عرفتن” جاء فيها :
أخفي وتظهر غصباً عني الآنة
يا ربي لطفك من سكين نظرتها
خليت روحي للسكين ممتنا
وبعدها قال الشاعر المتميز سيف المنصوري قصيدة جارى فيها الشاعر جانب جاء فيها:
للذيب بحر العيون
وموجة العاطي….
وخلي بروق الثنايا تحيي السنة
في ضحكتك لا سرى الليل على خدك
وقد لاقت هذه الفقرة المجاراة بين الشعر النبطي والشعر الفصيح تصفيقاً حاراً وإعجاباً من قبل الجمهور المتواجد، مع ما يحتله الشاعران من مكانة خاصة في قلوب الجمهور والمتابعين كونهم آخر من حمل لقب البرنامجين الأشد حضوراً وتأثيراً في عالم الشعر العربي بشقيه الفصحى والنبطي.
بشير والتغريدة
أول فرسان الأمسية الشاعر السوداني خالد بشير الذي قال إن هناك نقلة نوعية في الكتب المعروضة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب معبراً عن سعادته بزيارة المعرض، ثم قرأ قصيدة بعنوان “تغريدة” جاء فيها:
قَمَرٌ بِنَهْرِ الْحُبِّ.. سِحْرٌ فائحُ
وَضِفَافُ زَنْبَقَةٍ.. وَعِطْرٌ نافحُ
سَقَطَ السَّفَرْجَلُ مِنْهُ قَابَ
غَمَامَةٍ.. فَتَلَاهُ عُصْفُورٌ وَنَايٌ صَادِح
بداية قال الدكتور صلاح فضل قصيدتك هذه الليلة تخلو من المرارة، كأنك في حلم راقي، وعلى الرغم من أنك تعيب الشعر الحديث إلاّ أنك جعلت الحديقة تمازح زوارها، كيف أصبح الناس عندك وروداً وقد كانوا شوكاً، يعجبني استجابتك للملاحظات السابقة.
ومن ثم قال الدكتور علي بن تميم إن أجلست الحرب في هذه القصيدة وقام السلام، فتكون الحرب قد احتشدت أقول هذا لأن عناصر الطبيعة اجتمعت في هذه القصيدة، وعلى الرغم من جمالها إلاّ أنها كانت حرباً ولم تستغل وجودها بصورة حية متفاعلة، وقد لاحظت أن كل أبياتك تنتهي بمتبدأ وخبر.
وبعدها قال الدكتور عبدالملك مرتاض أنت أفضل منك مما سبق، قصيدتك وهيئتك والإلقاء وكل شيء، لقد أبدعت في هذه القصيدة وقدمت نصاً جيداً وكأنها من تغريدات أبي الطيب المتنبي.
الحناطي وهامش الحزن
ثاني فرسان الأمسية الشاعر المصري محمد عبدالمنعم الحناطي الذي أكد إيمانه بالشعر وقدرته على مواجهة كل الصعوبات، مشيراً إلى أنّ معرض الكتاب مولد للثقافة، وقرأ قصيدة بعنوان “متن لهامش الحزن” جاء فيها:
ضوء بمفترق الضباب تكدسا فبمن ألوذ! إذا الأمان توجسا
اللعبة ابتدأت بجرح واستمرت في تناميها العنيف إلى الأسى
بداية قال الدكتور علي بن تميم إن تجاوز المحن بصيرة وتبصر، لكن في قصيدتك طغى الصراخ على الهمس الذي ينبغي أن يكون في الشعر، جمعت فيها كل شيء لكأننا في بقالة، التأويل ضروري لتجاوز المحن، أنت من دعاة الشكل، والهامش أكثر شعرية من المتن، وبرأيي القصيدة ليس لها رؤية نظراً للأصوات المتعددة.
وبدوره قال عبدالملك مرتاض كان الأجدى بك قراءة نصك دون المقدمة والتقديم لأنها قصيدة أخرى، لقد قلبت الهامش فجعلته متناً، يحمل البيت الأول صورة شعرية جميلة، لقد سعيت إلى تفعيل الشعرية بإمدادها بأدوات الحوار القلق، وهذه لغة النقاد وليست لغة شعراء.
أمّا الدكتور صلاح فضل فقال ماذا فعلت بنفسك يا محمد هذه المرة، صراخ قصيدتك لا يمشي مع هذا العصر، لأنه لا يتطلب تلك النبرة الحماسية، لعبت لعبة ماهرة لعبة تفكيكية، أنت شاعر تفعيلة وشاعر تفعيلة جيد وليس عليك أن تكتب العامودي لأنك أفسدتك لعبتك في هذا النص.
بيروتية وخطف البطاقة
ثالث فرسان الأمسية الشاعر السوري المتألق مصعب بيروتية الذي استطاع أن يخطف بطاقة التأهل من أعضاء لجنة التحكيم تاركاً خلفه 4 شعراء يعيشون القلق والترقب لمدة أسبوع كامل، وقرأ قصيدة بعنوان “قبس من نخيل” جاء فيها:
إلى أي طور …
سوف يمضي المدى … معك؟
وأي محب منهك الروح ودعك؟
بداية قال الدكتور عبدالملك مرتاض لقد سلكت يا مصعب طريقاً في الشعر صعباً لكنه بديع وجميل ويحسب لك، لقد أعدت صياغة قصيدة ابن زيدون مجدداً أو ربما قصيدة شوقي التي عارضه فيها، لكنك أعدتها بطريقتك الخاصة وأسلوبك المتميز، فأطربت وأدهشت وبذلك شعرية القصيدة حقيقية آسرة وساحرة.
أما الدكتور صلاح فضل فقال قطعة شعرية محكمة تغني على السلالة الشعرية الجميلة، قصيدتك لها حركة متماسكة وقوية تبدأ بسؤال وتختتم بدلة الحب، أنت تغرق القارئ بالحب والجمال، لقد أشعلت قبس الشعر.
ومن جهته قال الدكتور علي بن تميم لقد انتشيت بهذه القصيدة الجميلة فهي تذكرنا بايقاع ابن زيدون، هي مولودةمستقلة جميلة بذاتها بعيدة كلياً عن ابن زيدون.
الشقيقي والأم
رابع فرسان الأمسية الشاعر السعودي مفرح الشقيقي الذي قرأ قصيدة بعنوان “تبتُّلٌ في محراب الصحراءِ” جاء فيها:
لي ضحكة النايات، لي وجعي، وَ لي تسبيحةٌ تستنطقُ الآفاقَا
أمي هي الصحراءُ .. طعم طفولتي تمتدُّ ملء بداوتي أعراقَا
بداية قال الدكتور صلاح فضل بقد كشفت عن وجهك الشعري الجميل والرائع يا مفرح، قد يغلب على تعليقاتنا هذه المرحلة نوع من الحفاوة في شعركم لأننا وصلنا لمرحلة التوهج في المنافسة بينكم.
أما الدكتور علي بن تميم فقال أنت بار في والدتك وحينما تتجسد الأمومة في نصك فنحن نمر بها، حتى جنان الشعر واللغة تحت أقدام الأمهات، بارك الله فيك وفي هذه اللغة الرفيعة التي قدمت بها نصك.
وذهب الدكتور عبدالملك مرتاض إلى القول بأن النص مليء بالتفاؤل والشعرية والجمال اللغوي المتقن العالي، إنه نص شعري بديع، والشاعر له شأن رفيع، وبخاصة في هذا النص الذي أوافق فيه صديقي الدكتور صلاح والدكتور علي نص يفيض بالشعرية.
نذير وغيوم الذات
خامس فرسان الأمسية الشاعر العراقي نذير الصميدعي الذي قرأ قصيدة بعنوان “برقٌ في غيومِ الذات” جاء فيها:
أمدُّ يداً فيخذلُها الغيابُ
ويغري نورسَ الذكرى إيابُ
وتُسْلِمُني الدروبُ إلى احتمالٍ
تعوّدَ أنْ يشاكسَهُ السرابُ
بداية قال الدكتور علي بن تميم أتمنى أن تفتح عليك الأبواب كلها مشرعة، لكن هذا الميثاق الخطابي ليس في لغة الشعر، لكنني أصف الأبيات الأولى في هذا النص بالجميلة لكن هناك أبيات فيها برق ورعد فقط.
أما الدكتور عبدالملك مرتاض فقال ولأن الشعر العربي يستهويه أن يكون عراقي، كنت أنتظر أن تقدم نصاً أفضل وأجمل، هناك بعض الضرورات الشعرية التي اضطررت إلى ارتكابها أحياناً كثيرة في النص.
أمّا الدكتور صلاح فضل فقال تعود في هذه القصيدة إلى قوقعة الذات، فيصبح الشعر إمّا غناء وإمّا فلسفة ولقد ضعت في هذا النص فلم أجد لا هذا ولا ذاك، ولا أدري بأي مسار سرت قصيدتك.
الشعراء والمعري
وبعد انتهاء الجزء الأول من الحلقة قام الشعراء بقراءة الأبيات التي جاروا فيها قصيدة أبي العلاء المعري، وعبر أعضاء لجنة التحكيم عن سعادتهم بما سمعوه من الشعراء، إلاّ أنهم لم يوفقوا كثيراً في المجاراة شعرياً لكنهم وفقوا بالوزن والقافية.
فرسان المرحلة الثالثة
وفي ختام الحلقة أعلن باسم ياخور عن انتهاء المرحلة الثانية من البرنامج، معلناً عن أسماء الشعراء الخمسة فرسان المرحلة الثالثة بانتظار تصويت الجمهور ليتأهل الشاعر السادس، ومن ثم قال الدكتور علي بن تميم معايير المرحلة الثالثة طالباً من الشعراء كتابة قصيدة لا تقل عن 8 أبيات ولا تزيد عن 10 تحتفي “بمسبار الأمل” بخاصة بعد ما كان قد أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أنّ المهمة التي يقوم بها المسبار إلى المريخ هي مبعث للأمل الحقيقي للعالم العربي”، ويعتبر مسبار الأمل الإماراتي خطة طموحة لأول مسبار عربي لاستكشاف كوكب المريخ، ومن المزمع إطلاقه في شهر يوليو من عام 2020، تزامناً مع العيد ال50 لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما الجزء الثاني من الحلقة فسيتلخص بأن يقرأ أعضاء لجنة التحكيم بيتاً شعرياً ويتوجب على الشعراء المجاراة في نفس الموضوع والوزن والقافية ومباشرة على الهواء.